رأي: عبد الحميد البجوقيتتوالى الأحداث والتطورات في شمال إفريقيا بشكل مُقلق ومثير لمجموعة من التساؤلات ، وما يحدث اليوم في مالي لا ينفصل عن التطورات التي عرفتها المنطقة من ربيع الشعوب في تونس ومصر والمغرب- إلى حد ما- ، إلى ربيع الدبابات والمليشيات في ليبيا أولا، ثم في سوريا حاليا، وربما الآن في الجزائر عبر البوابة المالية.ليس فيما يجري اليوم في هذه المنطقة الحساسة بالنسبة لمصالح الغرب ما يفيد بأنه محض صدفة، أو مجرد ضربة استباقية للقاعدة في بلاد المغرب العربي، بل أن المؤشرات والمعطيات رغم شُحّها تشير إلى وجود مخطط متكامل وشامل يهدف إلى إعادة ترتيب خريطة المنطقة.أية معطيات؟ وأين توجد مساحات الظل في هذا الملف؟المعطى الأول يبدأ مع الانقلاب العسكري الذي قاده الضابط أمادو سانوغو في 22 مارس 2012 والذي أطاح بالرئيس المنتخب أمادو طوماني توري شهرين قبل الانتخابات الرئاسية بالرغم من أن هذا الأخير لم يكن مرشحا لها، ولم تنفع محاولات منظمة الوحدة الإفريقية ولا مساعي الأمم المتحدة للضغط على الانقلابيين وفرض عودة الشرعية "الديمقراطية"، كما لم تكن ردود فعل الدول الغربية قوية وفي مستوى حالات سبقتها في المنطقة وخارجها.المعطى الثاني يتعلق بأسباب التدخل العسكري الفرنسي الذي جاء بشكل مستعجل وبطلب من الرئيس المالي ديونكندا تراوري لمواجهة التقدم العسكري للجماعات الإسلامية المسلحة في اتجاه العاصمة باماكو، حسب بيان وزارة الخارجية الفرنسية وتصريحات الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ووزير خارجيته لوران فابيوس.المعطى الثالث يتعلق بالهجوم على منشأة الغاز الجزائرية "عين أميناس" انطلاقا من الحدود الليبية وعملية اختطاف الرهائن التي انتهت بموت أغلب الخاطفين والمخطوفين، كما أن حجم العملية وعدد المسلحين الذين شاركوا فيها والتقنيات المستعملة يطرح أكثر من سؤال عن مدى حقيقة ما تم ترويجه من أن العملية رد فعل متسرع على التدخل العسكري في مالي.والمُرجح أن العملية تم ترتيبها بعناية تطلبت وقتا طويلا سبق التدخل العسكري الفرنسي، ولا يُستبعد أن اختيار هذه المنشأة تحكمت فيه إلى جانب الأسباب الاقتصادية و الإستراتيجية، تعدد جنسيات الأجانب العاملين فيها (فرنسيين، جزائريين،يابانيين، أمريكيين، بريطانيين، نرويجيين..) و هو ما وصفه أحد المُعلقين الجزائريين ب"أمم متحدة مُصغرة"، كان يهدف من ورائها الخاطفون تدويل الملف ورفع الضغط على فرنسا عبر حلفائها حماية لمواطنيها الرهائن.المعطى الرابع يتعلق بموقع منشأة الغاز نفسها القريبة من الحدود الليبية، وكونها العصب الرئيسي لتصدير الغاز الجزائري إلى أوروبا بمعدل 20 في المائة من مجموع ما تُنتجه الجزائر، هذا فضلا عن المصالح الفرنسية في منطقة الساحل ودول غرب إفريقيا باعتبارها أهم مورد ومعبر للطاقة وللذهب والقطن والأرورانيوم. وسبق أن تسربت وثيقة سرية نشرتها صحيفة "ليبيراسيون" أثناء قيادة فرنسا وبريطانيا للتدخل ضد العقيد الليبي تعهد أثناءها المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا برفع حصة فرنسا من النفط الليبي بنسبة 35 في المائة وهو ما يعني زيادة 17 في المائة عن نظيره في عهد نظام العقيد.المعطى الخامس يتعلق بالصورة التي روجتها فرنسا بعد حرب الخليج الثانية عن رفضها ومعاداتها لسياسة التدخل العسكري المباشر، لكن الوقائع تؤكد أنها من أكثر الدول تدخلا في إفريقيا وعدد تدخلاتها المباشرة وصل بعد الأخير في مالي إلى 50 تدخل منذ سنة 1960 حسب مجلة تامز الالكتروتية .كما أن كل المؤشرات تؤكد أن التدخل في مالي لم يتم تهييئه بشكل مستعجل كما روجت الخارجية الفرنسية وإنما كان من ضمن حزمة القرارات التي ورثها هولاند عن سلفه ساركوزي، وأنه من صلب السياسة الخارجية الفرنسية التي ناذرا ما تتغير بتغيير الحكومات والرؤساء من يمين إلى يسار أو العكس.وعلى عكس التدخل الأمريكي في العراق قامت الدولة الفرنسية بتهيئ الرأي العام الداخلي والخارجي بشكل ذكي ولافت،وتفيد استطلاعات الرأي التي أجراها المعهد الفرنسي للرأي العام بأن 77 في المائة من الناخب اليساري الفرنسي يساند التدخل العسكري في مالي و62 في المائة من الناخب اليميني يساند التدخل ومجموع نسبة الفرنسيين الذين يساندون تدخل بلادهم في الساحل يصل إلى 63 في المائة.هذه الأرقام تؤكد أن فرنسا هيأت للتدخل بشكل دقيق ومُحكم سواء داخل فرنسا وباقي الدول الغربية التي انتهت بدعم قوي للقرار الفرنسي فاق نظيره أثناء الهجوم على ليبيا بداية بالأمين العام للأمم المتحدة بان كيمون الذي وصف التدخل الفرنسي بالقرار الشجاع .وتواصل فرنسا الآن حصد المزيد من الدعم في إفريقيا والدول الإسلامية التي لم تتوانَ أغلبها في الإعلان عنه مع بعض الاستثناءات التي كان أبرزها الموقف المصري على لسان الرئيس مرسي، وكذلك كان الأمر على المستوى الداخلي في مالي حيث نفى محمود ديكو رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في مالي أن يكون التدخل العسكري الفرنسي في بلده اعتداء على الإسلام، مُعتبرا أن فرنسا جاءت لدعم الجيش المالي في قتاله للمجموعات المسلحة، وأدان ديكو بوضوح مواقف بعض الفقهاء والمشايخ في العالم الإسلامي الذين وصفوا التدخل الفرنسي باعتداء على الإسلام والمسلمين.ليس سهلا أن نضع الاصبع على كل أو جل مساحات الظل في هذا الملف، لكننا نحاول على الأقل استفزاز الأسئلة الضرورية لفهم تطورات تتداخل بشكل مباشر مع أمن المغرب ومع نزاع الصحراء. والواضح أن هذه المنطقة امتداد طبيعي للسياسة الخارجية الفرنسية التي تجعل من المغرب والجزائر عواصم لنفوذها في إفريقيا.و الخلاصة أن فرنسا تثبت من جديد خبرتها في التدخل خارج حدودها، اكتسبتها من ماضيها الاستعماري في المنطقة.
Rechercher dans ce blog
jeudi 31 janvier 2013
أخبار | التدخل الفرنسي في مالي.. مساحات الظل والتداعيات/ عبد الحميد البجوقي
Inscription à :
Publier les commentaires (Atom)
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire